قصة المرأة التي سمع الله كلامها
موقع القصة فى القرآن الكريم
سورة المجادلة
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)
وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)
فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (5)
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)
جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعة ، وعلامات الخوف والارتباك تعلو وجهها.
كيف لا ، وأسرتها مهددة بالانهيار والتفكك ، وبيتها مهدد بالضياع والتشرد ، كل ذلك جراء كلمة غضب قالها لها زوجها ، كادت أن تقضي على أسرة بأكملها ، وتُنهي حياة زوجين عاشا معًا زمنًا مديدًا.
فجاءت إلى رسول صلى الله عليه وسلم علَّها تجد حلاً لمشكلتها ، فوجدت بيته مفتوحًا ، ليس بينه وبين الناس حجاب ولا بواب.
تلك المرأة هي خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها التى سمع الله جدالها مع رسوله من فوق سبع سماوات.
والتي قالت عنها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :
(الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت ، تشكو زوجها)
فأنزل الله سبحانه في القرآن الكريم سورة كاملة بحقها ، سماها سورة المجادلة ، افتتحها سبحانه بقوله
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)
وتذكر كتب التفاسير بخصوص سبب نزول هذه الآية الكريمة ، أن خولة بنت ثعلبة زوجة أوس بن الصامت رضي الله عنهما ، كان بينها وبين زوجها ما يكون بين الرجل وزوجته من خلاف.
وقد كان زوجها رجلاً سريع الغضب ، فلما كان بينهما ما كان حلف أن لا يقربها ، وقال لها: (أنت علي كظهر أمي)
وكانت هذه العادة من عادات الجاهلية التي حرمها الإسلام ، لكن بقيت رواسبها عند البعض... ومازالت
ثم إن أوسًا بعد ما كان منه ما كان ، أراد أن يقرب زوجته فامتنعت منه ، ورفضت أن تستجيب له ، حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبره بما كان.
لكن أوسًا تحرج منعه الحياء أن يذكر لرسول الله ما جرى منه.
فذهبت خولة بنفسها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبرته بالذي حدث.
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما أراك إلا قد حرمت عليه)
فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن زوجها لم يرد بقوله ذلك طلاقًا ولا فراقًا.
فأجابها رسول الله ثانية : (ما أراك إلا قد حرمت عليه)
فلما سمعت جواب رسول الله التجأت إلى الله قائلة : اللهم إليك أشكو حالي وفقري.
ثم أخذت تحاور رسول الله لتقنعه أنها تحب زوجها ، ولا تريد فراقه ، وأنه يبادلها نفس المشاعر.
فما كان من رسول الله إلا أن أجابها ثالثة : (ما أراك إلا قد حرمت عليه)
ومع هذا ، فإنها لم تيأس من رحمة الله ، ومن ثم أخذت من جديد تحاور رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن طريق التركيز على الجانب العاطفي والإنساني، لعلها تقنعه بإيجاد مخرج للمأزق الذي هي فيه، فتقول له : فإني وحيدة ، ليس لي أهل سواه... إن لي صبية صغارًا ، إن ضممتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إلي جاعوا.
فلا يجد لها رسول الله جوابًا إلا أن يقول لها : (ما أراك إلا قد حرمت عليه)
فلما لم تجد لها جوابًا عند رسول الله ، التجأت إلى الله قائلة : اللهم أنزل على لسان نبيك ما يقضي لي في أمري ، فلم تكد تنتهي من دعائها.
حتى أنزل الله على نبيه قوله سبحانه :
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أنزل الله عليه قرآنًا ، بين فيه حكم هذه الواقعة ، دعا زوجها أوسًا ، وسأله أن يحرر عبدًا كفارة عن فعله.
فأخبر أوس رسول صلى الله عليه وسلم أنه لا طاقة له بذلك.
فسأله رسول الله إن كان يستطيع أن يصوم شهرين.
فأجابه أنه لا يستطيع ؛ لأنه رجل قد تقدم به العمر ، والصيام يضعفه.
حينئذ طلب منه رسول صلى الله عليه وسلم أن يتصدق على ستين مسكينًا.
فأخبره أنه لا يملك من المال ما يتصدق به.
فلما رأى عليه الصلاة والسلام من حاله ما رأى ، تصدق عنه ، وطلب منه أن يعود إلى زوجته.
صلى الله وبارك وسلم على رسولنا وحبيبنا وشفيعنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عن خـولـة
نسبــها
هي خولة بنت مالك بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف ، صحابية جليلة من الأنصار ، وكانت زوجة الصحابي المجاهد أوس بن الصامت ، وهو أخو الصحابي الجليل عبادة بن الصامت.
خولة وعمر بن الخطاب – رضي الله عنهما
خاطبت خولة في ذات يوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان خارجاً من المسجد وكان معه الجارود العبدي.
فسلم عليها عمر فردت عليه، وقالت: (هيا يا عمر ، عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ ترعى الضأن بعصاك ، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين ، فاتق الله في الرعية ، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ، ومن خاف الموت خشي الفوت ، ومن أيقن بالحساب خاف من العذاب)
فقال الجارود: (قد أكثرت على أمير المؤمنين أيتها المرأة)
فقال عمر: (دعها ، أما تعرفها؟ هذه خولة التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات ، فعمر أحق والله أن يسمع لها)
رضى الله عنهم جميعا وأرضاهم
ما يستخلص من حياة خولة بنت ثعلبة
تعد خولة بنت ثعلبة من عظيمات العرب والمسلمين ، فهي امرأة مؤمنة تقية ، وزوجة وفية تحافظ على بيتها من الانهيار ، وأم صالحة تفكر في مستقبل أبنائها.
ومن قصتها يمكننا استخلاص عدة أفكار ، منها
أولا
إبطال الله تعالى لظاهرة كانت شائعة أيام الجاهلية ألا وهي "المظاهرة" ، وهي تعني تحريم الزوج زوجته على نفسه ، وأنزل الله تعالى حكم ذلك القسم ألا وهو لا يوجب التحريم المؤبد ، بل التحريم المؤقت حتى تؤدى الكفارة ، وجعل الله الكفارة بعتق رقبة ، أو صوم شهرين متتابعين إن لم يقدر على عتق رقبة ، أو إطعام ستين مسكينا إن لم يستطع الصيام.
ثانيا
مكانة المرأة التي تحاول الحفاظ على زوجها وبيتها في الإسلام ، كما فعلت خولة عندما أصرت على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطلب من الله الحكم العادل لتعود إلى زوجها ، وأيضاً في ذلك بيان إلى عظمة الصحابيات وأنهن قدوة صالحة لجميع النساء.
ثالثا
بلاغة خولة بنت ثعلبة وفصاحة لسانها ، وتبين ذلك من خلال موقفها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جادلته بعد أن ظنت أنها ستفترق عن زوجها وشريك حياتها ، وتبيينها سلبيات هذا التفريق على الأولاد والبيت ، وفي موقف آخر أيضاً مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عندما اعترضت على سياسته وطلبت منه أن يتق الله تعالى في الرعية ، في عبارة قوية لم يستطع عمر حيالها إلا أن يسمع لها.
رابعا
في هذه القصة تأكيد على وجوب الاعتماد على الله عز وجل في أخذ الأحكام ، واعتبار القرآن الكريم هو مصدر التشريع الإسلامي الأساسي وتتبعه بعد ذلك السنة النبوية الشريفة.
خامسا
بيان لطف الله بعباده وتخفيف الكفارات لهم عند عدم الاستطاعة.
سادسا
بيان عدل الرسول الكريم ، حيث إنه طلب سماع القضية من الطرفين ، وليس من طرف واحد ، وذلك للوصول إلى أفضل الأحكام وأدقها.
سابعا
يجوز دفع الكفارة عمن لا يستطيع دفعها ، أو لا يقدر على أدائها.
فلله در نساء العقيدة الصحيحة أمثال خولة , فهي تقف بين رسول الله صلى الله عليه وسلم مجادلة (محاورة) مستفتية , أما الاستغاثة والشكوى فلا تكون إلا لله تعالى , وهذا هو صريح الإيمان والتوحيد الذي تعلمه الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بَين يَدَيْ السُّورَة
سورة المجادلة مدنية ، وقد تناولت أحكاماً تشريعية كثيرة كأحكام الظهار ، والكفارة التي تجب على المظاهر ، وحكم التناجي ، وآداب المجالس ، وتقديم الصدقة عند مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعدم مودة أعداء الله ، إِلى غير ذلك ، كما تحدثت عن المنافقين وعن اليهود.
ابتدأت السورة الكريمة ببيان قصة المجادلة "خولة بنت ثعلبة" التي ظاهر منها زوجها - على عادة أهل الجاهلية في تحريم الزوجة بالظهار - وقد جاءت تلك المرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو ظلم زوجها لها وقالت يا رسول الله: "أكل مالي، وأفنى شبابي، ونثرت له بطني حتى إِذا كبرتْ سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني" ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها: ما أُراك إِلا قد حرمت عليه، فكانت تجادله وتقول: يا رسول الله، ما طلقني ولكنه ظاهر مني، فيرد عليها قوله السابق، ثم قالت: اللهم إني أشكو إِليك، فاستجاب الله دعاءها، وفرَّج كربتها وشكواها
ثم تناولت حكم كفارة الظهار {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ..} الآيات.
وعلى ضوء سبب نزول هذه الآية وما تلاها من آيات ، يمكننا الوقوف على بعض القضايا المهمة ، والمتعلقة بشأن الأسرة والمجتمع
أولها
مكانة المرأة في الإسلام ، وأن لها من الحقوق وعليها من الواجبات كالتي للرجل ، إلا ما فضل الله به بعضهم على بعض.
قال تعالى
سورة البقرة
وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ (228)
وليس الأمر كما يقول البعض : إن الإسلام قد ظلم المرأة ، وحرمها الكثير من حقوقها ، فها هي المرأة تتوجه بشكواها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قضية أسرية ، ويسمع الله شكواها من فوق سبع سموات ، ويُنـزِّل قرآنًا في أمرها ، مبينًا المخرج من أزمتها ، مما يؤكد منحها كامل الحق في طلب العدل في أمرها، وأمر أسرتها وأبنائها.
ثانيها
أن في هذه القصة درسًا عمليًا لنساء الأمة الإسلامية ورجالها ، يبين واجب المرأة في الدفاع عن مصالحها ومصالح أسرتها ، وأن ذلك حق مشروع لها ، لا ينبغي التفريط به بحال من الأحوال.
وثالثها
معرفة ما يسمى في شريعة الإسلام بأحكام الظهار ، وهو أن يحرم الرجل على نفسه جماع زوجته ، بأن يشبهها بأحد محارمه ، كأمه وأخته ؛ فيقول لزوجته مثلاً : أنت عليَّ كظهر أمي ، أو أنت علي كظهر أختي ، فتحرم الزوجة على زوجها ، ولا يجوز لهما أن يتعاشرا معاشرة الأزواج ، إلا بعد أن يكفِّر الزوج عن يمينه ، بحسب ما عرفت من مجريات هذه القصة
__________________
[center]قصة المرأة التي سمع الله كلامها
موقع القصة فى القرآن الكريم
سورة المجادلة
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)
وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)
فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (5)
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)
جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعة ، وعلامات الخوف والارتباك تعلو وجهها.
كيف لا ، وأسرتها مهددة بالانهيار والتفكك ، وبيتها مهدد بالضياع والتشرد ، كل ذلك جراء كلمة غضب قالها لها زوجها ، كادت أن تقضي على أسرة بأكملها ، وتُنهي حياة زوجين عاشا معًا زمنًا مديدًا.
فجاءت إلى رسول صلى الله عليه وسلم علَّها تجد حلاً لمشكلتها ، فوجدت بيته مفتوحًا ، ليس بينه وبين الناس حجاب ولا بواب.
تلك المرأة هي خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها التى سمع الله جدالها مع رسوله من فوق سبع سماوات.
والتي قالت عنها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :
(الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت ، تشكو زوجها)
فأنزل الله سبحانه في القرآن الكريم سورة كاملة بحقها ، سماها سورة المجادلة ، افتتحها سبحانه بقوله
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)
وتذكر كتب التفاسير بخصوص سبب نزول هذه الآية الكريمة ، أن خولة بنت ثعلبة زوجة أوس بن الصامت رضي الله عنهما ، كان بينها وبين زوجها ما يكون بين الرجل وزوجته من خلاف.
وقد كان زوجها رجلاً سريع الغضب ، فلما كان بينهما ما كان حلف أن لا يقربها ، وقال لها: (أنت علي كظهر أمي)
وكانت هذه العادة من عادات الجاهلية التي حرمها الإسلام ، لكن بقيت رواسبها عند البعض... ومازالت
ثم إن أوسًا بعد ما كان منه ما كان ، أراد أن يقرب زوجته فامتنعت منه ، ورفضت أن تستجيب له ، حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبره بما كان.
لكن أوسًا تحرج منعه الحياء أن يذكر لرسول الله ما جرى منه.
فذهبت خولة بنفسها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبرته بالذي حدث.
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما أراك إلا قد حرمت عليه)
فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن زوجها لم يرد بقوله ذلك طلاقًا ولا فراقًا.
فأجابها رسول الله ثانية : (ما أراك إلا قد حرمت عليه)
فلما سمعت جواب رسول الله التجأت إلى الله قائلة : اللهم إليك أشكو حالي وفقري.
ثم أخذت تحاور رسول الله لتقنعه أنها تحب زوجها ، ولا تريد فراقه ، وأنه يبادلها نفس المشاعر.
فما كان من رسول الله إلا أن أجابها ثالثة : (ما أراك إلا قد حرمت عليه)
ومع هذا ، فإنها لم تيأس من رحمة الله ، ومن ثم أخذت من جديد تحاور رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن طريق التركيز على الجانب العاطفي والإنساني، لعلها تقنعه بإيجاد مخرج للمأزق الذي هي فيه، فتقول له : فإني وحيدة ، ليس لي أهل سواه... إن لي صبية صغارًا ، إن ضممتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إلي جاعوا.
فلا يجد لها رسول الله جوابًا إلا أن يقول لها : (ما أراك إلا قد حرمت عليه)
فلما لم تجد لها جوابًا عند رسول الله ، التجأت إلى الله قائلة : اللهم أنزل على لسان نبيك ما يقضي لي في أمري ، فلم تكد تنتهي من دعائها.
حتى أنزل الله على نبيه قوله سبحانه :
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أنزل الله عليه قرآنًا ، بين فيه حكم هذه الواقعة ، دعا زوجها أوسًا ، وسأله أن يحرر عبدًا كفارة عن فعله.
فأخبر أوس رسول صلى الله عليه وسلم أنه لا طاقة له بذلك.
فسأله رسول الله إن كان يستطيع أن يصوم شهرين.
فأجابه أنه لا يستطيع ؛ لأنه رجل قد تقدم به العمر ، والصيام يضعفه.
حينئذ طلب منه رسول صلى الله عليه وسلم أن يتصدق على ستين مسكينًا.
فأخبره أنه لا يملك من المال ما يتصدق به.
فلما رأى عليه الصلاة والسلام من حاله ما رأى ، تصدق عنه ، وطلب منه أن يعود إلى زوجته.
صلى الله وبارك وسلم على رسولنا وحبيبنا وشفيعنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عن خـولـة
نسبــها
هي خولة بنت مالك بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف ، صحابية جليلة من الأنصار ، وكانت زوجة الصحابي المجاهد أوس بن الصامت ، وهو أخو الصحابي الجليل عبادة بن الصامت.
خولة وعمر بن الخطاب – رضي الله عنهما
خاطبت خولة في ذات يوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان خارجاً من المسجد وكان معه الجارود العبدي.
فسلم عليها عمر فردت عليه، وقالت: (هيا يا عمر ، عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ ترعى الضأن بعصاك ، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين ، فاتق الله في الرعية ، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ، ومن خاف الموت خشي الفوت ، ومن أيقن بالحساب خاف من العذاب)
فقال الجارود: (قد أكثرت على أمير المؤمنين أيتها المرأة)
فقال عمر: (دعها ، أما تعرفها؟ هذه خولة التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات ، فعمر أحق والله أن يسمع لها)
رضى الله عنهم جميعا وأرضاهم
ما يستخلص من حياة خولة بنت ثعلبة
تعد خولة بنت ثعلبة من عظيمات العرب والمسلمين ، فهي امرأة مؤمنة تقية ، وزوجة وفية تحافظ على بيتها من الانهيار ، وأم صالحة تفكر في مستقبل أبنائها.
ومن قصتها يمكننا استخلاص عدة أفكار ، منها
أولا
إبطال الله تعالى لظاهرة كانت شائعة أيام الجاهلية ألا وهي "المظاهرة" ، وهي تعني تحريم الزوج زوجته على نفسه ، وأنزل الله تعالى حكم ذلك القسم ألا وهو لا يوجب التحريم المؤبد ، بل التحريم المؤقت حتى تؤدى الكفارة ، وجعل الله الكفارة بعتق رقبة ، أو صوم شهرين متتابعين إن لم يقدر على عتق رقبة ، أو إطعام ستين مسكينا إن لم يستطع الصيام.
ثانيا
مكانة المرأة التي تحاول الحفاظ على زوجها وبيتها في الإسلام ، كما فعلت خولة عندما أصرت على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطلب من الله الحكم العادل لتعود إلى زوجها ، وأيضاً في ذلك بيان إلى عظمة الصحابيات وأنهن قدوة صالحة لجميع النساء.
ثالثا
بلاغة خولة بنت ثعلبة وفصاحة لسانها ، وتبين ذلك من خلال موقفها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جادلته بعد أن ظنت أنها ستفترق عن زوجها وشريك حياتها ، وتبيينها سلبيات هذا التفريق على الأولاد والبيت ، وفي موقف آخر أيضاً مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عندما اعترضت على سياسته وطلبت منه أن يتق الله تعالى في الرعية ، في عبارة قوية لم يستطع عمر حيالها إلا أن يسمع لها.
رابعا
في هذه القصة تأكيد على وجوب الاعتماد على الله عز وجل في أخذ الأحكام ، واعتبار القرآن الكريم هو مصدر التشريع الإسلامي الأساسي وتتبعه بعد ذلك السنة النبوية الشريفة.
خامسا
بيان لطف الله بعباده وتخفيف الكفارات لهم عند عدم الاستطاعة.
سادسا
بيان عدل الرسول الكريم ، حيث إنه طلب سماع القضية من الطرفين ، وليس من طرف واحد ، وذلك للوصول إلى أفضل الأحكام وأدقها.
سابعا
يجوز دفع الكفارة عمن لا يستطيع دفعها ، أو لا يقدر على أدائها.
فلله در نساء العقيدة الصحيحة أمثال خولة , فهي تقف بين رسول الله صلى الله عليه وسلم مجادلة (محاورة) مستفتية , أما الاستغاثة والشكوى فلا تكون إلا لله تعالى , وهذا هو صريح الإيمان والتوحيد الذي تعلمه الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بَين يَدَيْ السُّورَة
سورة المجادلة مدنية ، وقد تناولت أحكاماً تشريعية كثيرة كأحكام الظهار ، والكفارة التي تجب على المظاهر ، وحكم التناجي ، وآداب المجالس ، وتقديم الصدقة عند مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعدم مودة أعداء الله ، إِلى غير ذلك ، كما تحدثت عن المنافقين وعن اليهود.
ابتدأت السورة الكريمة ببيان قصة المجادلة "خولة بنت ثعلبة" التي ظاهر منها زوجها - على عادة أهل الجاهلية في تحريم الزوجة بالظهار - وقد جاءت تلك المرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو ظلم زوجها لها وقالت يا رسول الله: "أكل مالي، وأفنى شبابي، ونثرت له بطني حتى إِذا كبرتْ سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني" ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها: ما أُراك إِلا قد حرمت عليه، فكانت تجادله وتقول: يا رسول الله، ما طلقني ولكنه ظاهر مني، فيرد عليها قوله السابق، ثم قالت: اللهم إني أشكو إِليك، فاستجاب الله دعاءها، وفرَّج كربتها وشكواها
ثم تناولت حكم كفارة الظهار {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ..} الآيات.
وعلى ضوء سبب نزول هذه الآية وما تلاها من آيات ، يمكننا الوقوف على بعض القضايا المهمة ، والمتعلقة بشأن الأسرة والمجتمع
أولها
مكانة المرأة في الإسلام ، وأن لها من الحقوق وعليها من الواجبات كالتي للرجل ، إلا ما فضل الله به بعضهم على بعض.
قال تعالى
سورة البقرة
وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ (228)
وليس الأمر كما يقول البعض : إن الإسلام قد ظلم المرأة ، وحرمها الكثير من حقوقها ، فها هي المرأة تتوجه بشكواها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قضية أسرية ، ويسمع الله شكواها من فوق سبع سموات ، ويُنـزِّل قرآنًا في أمرها ، مبينًا المخرج من أزمتها ، مما يؤكد منحها كامل الحق في طلب العدل في أمرها، وأمر أسرتها وأبنائها.
ثانيها
أن في هذه القصة درسًا عمليًا لنساء الأمة الإسلامية ورجالها ، يبين واجب المرأة في الدفاع عن مصالحها ومصالح أسرتها ، وأن ذلك حق مشروع لها ، لا ينبغي التفريط به بحال من الأحوال.
وثالثها
معرفة ما يسمى في شريعة الإسلام بأحكام الظهار ، وهو أن يحرم الرجل على نفسه جماع زوجته ، بأن يشبهها بأحد محارمه ، كأمه وأخته ؛ فيقول لزوجته مثلاً : أنت عليَّ كظهر أمي ، أو أنت علي كظهر أختي ، فتحرم الزوجة على زوجها ، ولا يجوز لهما أن يتعاشرا معاشرة الأزواج ، إلا بعد أن يكفِّر الزوج عن يمينه ، بحسب ما عرفت من مجريات هذه القصة
__________________
[center]قصة المرأة التي سمع الله كلامها
موقع القصة فى القرآن الكريم
سورة المجادلة
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)
وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)
فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (5)
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)
جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعة ، وعلامات الخوف والارتباك تعلو وجهها.
كيف لا ، وأسرتها مهددة بالانهيار والتفكك ، وبيتها مهدد بالضياع والتشرد ، كل ذلك جراء كلمة غضب قالها لها زوجها ، كادت أن تقضي على أسرة بأكملها ، وتُنهي حياة زوجين عاشا معًا زمنًا مديدًا.
فجاءت إلى رسول صلى الله عليه وسلم علَّها تجد حلاً لمشكلتها ، فوجدت بيته مفتوحًا ، ليس بينه وبين الناس حجاب ولا بواب.
تلك المرأة هي خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها التى سمع الله جدالها مع رسوله من فوق سبع سماوات.
والتي قالت عنها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :
(الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت ، تشكو زوجها)
فأنزل الله سبحانه في القرآن الكريم سورة كاملة بحقها ، سماها سورة المجادلة ، افتتحها سبحانه بقوله
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)
وتذكر كتب التفاسير بخصوص سبب نزول هذه الآية الكريمة ، أن خولة بنت ثعلبة زوجة أوس بن الصامت رضي الله عنهما ، كان بينها وبين زوجها ما يكون بين الرجل وزوجته من خلاف.
وقد كان زوجها رجلاً سريع الغضب ، فلما كان بينهما ما كان حلف أن لا يقربها ، وقال لها: (أنت علي كظهر أمي)
وكانت هذه العادة من عادات الجاهلية التي حرمها الإسلام ، لكن بقيت رواسبها عند البعض... ومازالت
ثم إن أوسًا بعد ما كان منه ما كان ، أراد أن يقرب زوجته فامتنعت منه ، ورفضت أن تستجيب له ، حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبره بما كان.
لكن أوسًا تحرج منعه الحياء أن يذكر لرسول الله ما جرى منه.
فذهبت خولة بنفسها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبرته بالذي حدث.
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما أراك إلا قد حرمت عليه)
فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن زوجها لم يرد بقوله ذلك طلاقًا ولا فراقًا.
فأجابها رسول الله ثانية : (ما أراك إلا قد حرمت عليه)
فلما سمعت جواب رسول الله التجأت إلى الله قائلة : اللهم إليك أشكو حالي وفقري.
ثم أخذت تحاور رسول الله لتقنعه أنها تحب زوجها ، ولا تريد فراقه ، وأنه يبادلها نفس المشاعر.
فما كان من رسول الله إلا أن أجابها ثالثة : (ما أراك إلا قد حرمت عليه)
ومع هذا ، فإنها لم تيأس من رحمة الله ، ومن ثم أخذت من جديد تحاور رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن طريق التركيز على الجانب العاطفي والإنساني، لعلها تقنعه بإيجاد مخرج للمأزق الذي هي فيه، فتقول له : فإني وحيدة ، ليس لي أهل سواه... إن لي صبية صغارًا ، إن ضممتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إلي جاعوا.
فلا يجد لها رسول الله جوابًا إلا أن يقول لها : (ما أراك إلا قد حرمت عليه)
فلما لم تجد لها جوابًا عند رسول الله ، التجأت إلى الله قائلة : اللهم أنزل على لسان نبيك ما يقضي لي في أمري ، فلم تكد تنتهي من دعائها.
حتى أنزل الله على نبيه قوله سبحانه :
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أنزل الله عليه قرآنًا ، بين فيه حكم هذه الواقعة ، دعا زوجها أوسًا ، وسأله أن يحرر عبدًا كفارة عن فعله.
فأخبر أوس رسول صلى الله عليه وسلم أنه لا طاقة له بذلك.
فسأله رسول الله إن كان يستطيع أن يصوم شهرين.
فأجابه أنه لا يستطيع ؛ لأنه رجل قد تقدم به العمر ، والصيام يضعفه.
حينئذ طلب منه رسول صلى الله عليه وسلم أن يتصدق على ستين مسكينًا.
فأخبره أنه لا يملك من المال ما يتصدق به.
فلما رأى عليه الصلاة والسلام من حاله ما رأى ، تصدق عنه ، وطلب منه أن يعود إلى زوجته.
صلى الله وبارك وسلم على رسولنا وحبيبنا وشفيعنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عن خـولـة
نسبــها
هي خولة بنت مالك بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف ، صحابية جليلة من الأنصار ، وكانت زوجة الصحابي المجاهد أوس بن الصامت ، وهو أخو الصحابي الجليل عبادة بن الصامت.
خولة وعمر بن الخطاب – رضي الله عنهما
خاطبت خولة في ذات يوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان خارجاً من المسجد وكان معه الجارود العبدي.
فسلم عليها عمر فردت عليه، وقالت: (هيا يا عمر ، عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ ترعى الضأن بعصاك ، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين ، فاتق الله في الرعية ، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ، ومن خاف الموت خشي الفوت ، ومن أيقن بالحساب خاف من العذاب)
فقال الجارود: (قد أكثرت على أمير المؤمنين أيتها المرأة)
فقال عمر: (دعها ، أما تعرفها؟ هذه خولة التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات ، فعمر أحق والله أن يسمع لها)
رضى الله عنهم جميعا وأرضاهم
ما يستخلص من حياة خولة بنت ثعلبة
تعد خولة بنت ثعلبة من عظيمات العرب والمسلمين ، فهي امرأة مؤمنة تقية ، وزوجة وفية تحافظ على بيتها من الانهيار ، وأم صالحة تفكر في مستقبل أبنائها.
ومن قصتها يمكننا استخلاص عدة أفكار ، منها
أولا
إبطال الله تعالى لظاهرة كانت شائعة أيام الجاهلية ألا وهي "المظاهرة" ، وهي تعني تحريم الزوج زوجته على نفسه ، وأنزل الله تعالى حكم ذلك القسم ألا وهو لا يوجب التحريم المؤبد ، بل التحريم المؤقت حتى تؤدى الكفارة ، وجعل الله الكفارة بعتق رقبة ، أو صوم شهرين متتابعين إن لم يقدر على عتق رقبة ، أو إطعام ستين مسكينا إن لم يستطع الصيام.
ثانيا
مكانة المرأة التي تحاول الحفاظ على زوجها وبيتها في الإسلام ، كما فعلت خولة عندما أصرت على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطلب من الله الحكم العادل لتعود إلى زوجها ، وأيضاً في ذلك بيان إلى عظمة الصحابيات وأنهن قدوة صالحة لجميع النساء.
ثالثا
بلاغة خولة بنت ثعلبة وفصاحة لسانها ، وتبين ذلك من خلال موقفها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جادلته بعد أن ظنت أنها ستفترق عن زوجها وشريك حياتها ، وتبيينها سلبيات هذا التفريق على الأولاد والبيت ، وفي موقف آخر أيضاً مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عندما اعترضت على سياسته وطلبت منه أن يتق الله تعالى في الرعية ، في عبارة قوية لم يستطع عمر حيالها إلا أن يسمع لها.
رابعا
في هذه القصة تأكيد على وجوب الاعتماد على الله عز وجل في أخذ الأحكام ، واعتبار القرآن الكريم هو مصدر التشريع الإسلامي الأساسي وتتبعه بعد ذلك السنة النبوية الشريفة.
خامسا
بيان لطف الله بعباده وتخفيف الكفارات لهم عند عدم الاستطاعة.
سادسا
بيان عدل الرسول الكريم ، حيث إنه طلب سماع القضية من الطرفين ، وليس من طرف واحد ، وذلك للوصول إلى أفضل الأحكام وأدقها.
سابعا
يجوز دفع الكفارة عمن لا يستطيع دفعها ، أو لا يقدر على أدائها.
فلله در نساء العقيدة الصحيحة أمثال خولة , فهي تقف بين رسول الله صلى الله عليه وسلم مجادلة (محاورة) مستفتية , أما الاستغاثة والشكوى فلا تكون إلا لله تعالى , وهذا هو صريح الإيمان والتوحيد الذي تعلمه الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بَين يَدَيْ السُّورَة
سورة المجادلة مدنية ، وقد تناولت أحكاماً تشريعية كثيرة كأحكام الظهار ، والكفارة التي تجب على المظاهر ، وحكم التناجي ، وآداب المجالس ، وتقديم الصدقة عند مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعدم مودة أعداء الله ، إِلى غير ذلك ، كما تحدثت عن المنافقين وعن اليهود.
ابتدأت السورة الكريمة ببيان قصة المجادلة "خولة بنت ثعلبة" التي ظاهر منها زوجها - على عادة أهل الجاهلية في تحريم الزوجة بالظهار - وقد جاءت تلك المرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو ظلم زوجها لها وقالت يا رسول الله: "أكل مالي، وأفنى شبابي، ونثرت له بطني حتى إِذا كبرتْ سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني" ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها: ما أُراك إِلا قد حرمت عليه، فكانت تجادله وتقول: يا رسول الله، ما طلقني ولكنه ظاهر مني، فيرد عليها قوله السابق، ثم قالت: اللهم إني أشكو إِليك، فاستجاب الله دعاءها، وفرَّج كربتها وشكواها
ثم تناولت حكم كفارة الظهار {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ..} الآيات.
وعلى ضوء سبب نزول هذه الآية وما تلاها من آيات ، يمكننا الوقوف على بعض القضايا المهمة ، والمتعلقة بشأن الأسرة والمجتمع
أولها
مكانة المرأة في الإسلام ، وأن لها من الحقوق وعليها من الواجبات كالتي للرجل ، إلا ما فضل الله به بعضهم على بعض.
قال تعالى
سورة البقرة
وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ (228)
وليس الأمر كما يقول البعض : إن الإسلام قد ظلم المرأة ، وحرمها الكثير من حقوقها ، فها هي المرأة تتوجه بشكواها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قضية أسرية ، ويسمع الله شكواها من فوق سبع سموات ، ويُنـزِّل قرآنًا في أمرها ، مبينًا المخرج من أزمتها ، مما يؤكد منحها كامل الحق في طلب العدل في أمرها، وأمر أسرتها وأبنائها.
ثانيها
أن في هذه القصة درسًا عمليًا لنساء الأمة الإسلامية ورجالها ، يبين واجب المرأة في الدفاع عن مصالحها ومصالح أسرتها ، وأن ذلك حق مشروع لها ، لا ينبغي التفريط به بحال من الأحوال.
وثالثها
معرفة ما يسمى في شريعة الإسلام بأحكام الظهار ، وهو أن يحرم الرجل على نفسه جماع زوجته ، بأن يشبهها بأحد محارمه ، كأمه وأخته ؛ فيقول لزوجته مثلاً : أنت عليَّ كظهر أمي ، أو أنت علي كظهر أختي ، فتحرم الزوجة على زوجها ، ولا يجوز لهما أن يتعاشرا معاشرة الأزواج ، إلا بعد أن يكفِّر الزوج عن يمينه ، بحسب ما عرفت من مجريات هذه القصة
__________________
سورة النور - وهي سورة مدنية - كثير من الآيات التي شُرعت حماية للمجتمع وصيانة له من كل ما يقوض أركانه ، ويزعزع بنيانه ؛ فنقرأ فيها ما يتعلق بجريمة الزنا، وجريمة القذف ، وأحكام الملاعنة بين الزوجين ، وغير ذلك من الأحكام التي تضمنتها هذه السورة ، والتي تشكل الحصن الحصين للحفاظ على سلامة المجتمع ، وتحميه من التفسخ والتآكل والزوال.
[center]وباختصار فإن هذه السورة الكريمة عالجت ناحية من أخطر النواحي الاجتماعية هي ((مسألة الأسرة)) وما يحفها من مخاطر ، وما يعترض طريقها من عقبات ومشاكل قد تودي بها إلى الانهيار ثم الدمار ، عما فيها من آداب سامية ، وحكم عالية ، وتوجيهات رشيدة ، إلى أسس الحياة الفاضلة الكريمة ، ولهذا كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أهل الكوفة يقول لهم : علّموا نساءكم سورة النور.
وفي أثناء هذه السورة وردت قصة الإفك ، تلك القصة التي أقضَّت مضاجع المجتمع الإسلامي وقت حدوثها.
وقد أخبرنا سبحانه عن هذا الحدث الأليم فى سورة النور.
قال تعالى
إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)
والإفك : هو الكذب والبهتان والافتراء.
وهذه الآية وبعض آيات بعدها ، كلها نزلت في شأن ((عائشة بنت أبى بكر)) أم المؤمنين رضي الله عنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت الصديق أبو بكر ، حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت والفرية ، فغار الله عز وجل لها ولنبيه صلوات الله وسلامه عليه ، فأنزل الله تعالى براءتها من فوق سبع سمارات ، صيانة لعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحاصل هذا الخبر الذي نزلت بسببه هذه الآية وما تبعها من آيات ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة بني المصطلق ، ونزل في مكان قريب من المدينة ، أمر الناس أن يتجهزوا للرحيل.
فلما علمت عائشة رضي الله عنها بذلك خرجت وابتعدت عن الجيش لقضاء بعض شأنها ، فلما انتهت من قضاء حاجتها عادت إلى مكانها ، ثم تبين لها أنها قد أضاعت عقدًا كان في صدرها ، فرجعت تلتمسه فأخرها البحث عنه ، وكان الوقت ليلاً.
وأقبل الرهط الذين كانوا يشدون الناقة ، فحملوا الهودج الذى تجلس به السيدة عائشة ، ورفعوه على الناقة التى تركبها ، وكانوا يحسبون أنها فيه ، وكانت النساء فى الغزوة لا يأكلن كثيرا ولا يأكلن إلا لقيمات قليلة فلا يزداد وزنهن ، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رحلوه ورفعوه ورحلوا.
فلما وجدت العقد رجعت إلى حيث كانت فلم تجد أحدًا ، فاضطجعت في مكانها رجاء أن يفتقدوها فيرجعوا إليها ، فنامت.
وكان ((صفوان بن المعطِّل)) قد أوكل إليه النبي صلى الله عليه وسلم حراسة مؤخِّرة الجيش ، فلما علم بابتعاد الجيش ، وأمن عليه من غدر العدو ، ركب راحلته ليلتحق بالجيش ، فلما بلغ الموضع الذي كان به الجيش أبصر سواد إنسان ، فإذا هي عائشة ، وكان قد رآها قبل الحجاب ، فاسترجع (قال: إنا لله وإن إليه راجعون) ، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فاستيقظت عائشة رضي الله عنها على صوت استرجاعه ، ونزل عن ناقته وأدناها منها ، فركبتها عائشة وأخذ يقودها حتى لحق بالجيش وما كلمها كلمة واحدة ، ولم تسمع منه إلا استرجاعه.
وكان ((عبد الله بن أبي بن سلول)) رأس المنافقين في الجيش ، فقال: زوج نبيكم تبيت مع رجل ، ويأتي بها في الصباح يقودها والله ما نجت منه ولا نجا منها.
ووجد الخبيث عدو الله ابن أبي متنفساً ، فتنفس من كرب النفاق والحسد الذي بين ضلوعه ، فجعل يستحكي الإفك ، ويستوشيه ، ويشيعه ، ويذيعه ، ويجمعه ويفرقه ، وكان أصحابه يتقربون به إليه ، فصدق قوله ((حسان بن ثابت)) ، و ((مِسطَح بن أُثاثة)) ، و ((حمنة بنت جحش)) أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين.
فلما قدموا المدينة أفاض أهل الإفك في الحديث ، وأشاع الخبر طائفة من المنافقين أصحاب عبد الله بن أبي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لايتكلم ، ثم استشار أصحابه ـ لما استلبث الوحي طويلاً ـ في فراقها ، فأشار عليه علي بن أبى طالب رضي الله عنه أن يفارقها ، ويأخذ غيرها ، تلويحاً لاتصريحاً ، وأشار عليه أسامة وغيره بإمساكها، وألا يلتفت إلى كلام الأعداء.
فقام على المنبر يستعذر من عبد الله ابن أبي ، فأظهر أسيد بن حضير سيد الأوس رغبته في قتله فأخذت سعد بن عبادة ـ سيد الخزرج ، وهي قبيلة ابن أبي ـ الحمية القبلية ، فجري بينهما كلام تثاور له الحيان ، فخفضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سكتوا وسكت.
أما عائشة فلما رجعت مرضت شهراً - وهي لاتعلم عن حديث الإفك شيئاً - سوي أنها كانت لا تعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كانت تعرفه حين تشتكي.
فلما نَقِهَتْ (شفيت) خرجت مع أم مِسْطَح (امرأة من الأنصار وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب وهو الذى صدق بالإفك) إلى البَرَاز ليلاً.
فعثرت أم مسطح في مِرْطِها ، فدعت على ابنها وقالت : تعس مسطح.
فاستنكرت ذلك عائشة منها وقالت لها : بئسما قلتى .. تسبين رجلا شهد بدرا ؟
فقالت : ألم تسمعي ما قال؟
فقالت عائشة : وماذا قال؟
فأخبرتها أم مسطح خبر أهل الإفك.
فزادت عائشة مرضا على مرضها وهالها الأمر ، فرجعت عائشة واستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لتذهب إلى أبويها وتستيقن الخبر.
ثم أتتهما بعد الإذن حتى عرفت جلية الأمر ، فجعلت تبكي ، فبكت ليلتين ويوماً ، لم تكن تكتحل بنوم ، ولا يرقأ لها دمع ، حتى ظنت أن البكاء فالق كبدها.
وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فتشهد وقال أما بعد يا عائشة ، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ، ثم تاب إلى الله تاب الله عليه)
وحينئذ قَلَص دمعها ، وقالت لكل من أبويها أن يجيبا ، فلم يدريا ما يقولان.
فقالت:(والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم ، وصدقتم به ، فلئن قلت لكم إني بريئة ـ والله يعلم أني بريئة ـ لا تصدقونني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر ـ والله يعلم أني منه ب